وأفادت
وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا)، كان عثمان محمد حسن معتوق، معلماً مصرياً فاضلاً لمادة الرياضيات للمرحلة الإعدادية، ولكنه في منتصف حياته المهنية قرر أن يبتعد عن عالم الأرقام قليلًا، بعدما وقع في غرام اللغة العربية وعشق جمال الخط العربي وفنونه، فقرر أن يدخل عالم تدريس لغة الضاد إلى جانب الرياضيات، وأن يقتطع جزءًا من وقته لتعلم فنون الخط وألوانه، وكان عشقه للغة جزءًا من حبه للقرآن الكريم وللدين الذي كان أساس حياته، حتى إنه في أعوامه الأخيرة قرر أن يكرس وقتًا كبيرًا لتطبيق ما تعلمه عن الخط العربي وفنونه بطريقة هي الأقرب إلى قلبه، عن طريق كتابة القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأخذ عثمان يكتب الأحاديث والتفاسير وقصص الأنبياء وآيات الذكر الحكيم في كل "أجندة" تقابله، وساعده القدر على إتمام كتابته بعد أن كان قد أتمه حفظا في صغره، منذ أن كان في السابعة من العمر، كان ما يفعله عجيبًا في نظر أبنائه الستة الذين كانوا يتناوبون واحدا تلو الآخر على رعايته، وكان هناك سؤال دائم على لسانهم عن سر ما يفعل، وكانت إجابته الدائمة: "كل حرف هيبقي ونيس ليا بعد كده"، ويوصيهم "اوعوا تفرطوا في كتبي بعد ما أموت".
ومات "عثمان" ومن بعده زوجته في غضون أعوام، وهدأ منزله في منطقة "العباسية" بالقاهرة، بعدما كان مملوءا من قبل بالصخب، تُركت الشقة على حالها بعد رحيل أصحابها، وتناوب عليها الكثير من المستأجرين، وكان "فرش" الشقة باقيًا على حاله، حتى جاءت لحظة التغيير، بعد ٢٣ عاما من الوفاة، حينما أراد أحد المستأجرين أن يأتي إلى الشقة بـ"عفش" جديد، وحينها قُسمت محتويات الشقة على الأبناء الستة، وبينما يوزعون نصيبهم اكتشفوا الإرث الذي قضي والدهم فيه أيام وليالي، وفهموا أخيرا مغزي وصيته بعدم التفريط في كتبه.
"اتفاجئنا وإحنا بندور في مكتبته إن جدي سايب أجندات كتير، مكتوب فيها القرآن كله وأحاديث شريفة وتفاسير.. كلها حاجات دينية وكل ده بخط إيده.. وكان نصيبنا أجندة فيها أجزاء من القرآن الكريم"، تروي داليا ممدوح، ذات الـ٢١ عاما، عن جدها لأمها الذي كانت دائما ما تسمع عن سيرته العطرة دون أن تفهم ما سرها، " ماما كانت دايما بتحكي عن عظمة جدي وما كنتش مقدرة ده لأنى ما شوفتوش.. بس عرفت السر بعد ما شوفت كتاباته".
"أنا سألت والدتي.. هو جدي كان في إيه بينه واوضـح ربنا؟"، بهذه الكلمات وصفت داليا إحساسها حينما رأت رد الفعل الإيجابي على "السوشيال ميديا"، حينما عرضت قصة جدها الذي حرمها القدر من رؤيته، فلم تكن تتخيل أن تجد القصة هذا الصدي، وأن يترحم عليه الآلاف دون أن يعرفوه حق المعرفة، فقط أثره كان لهم سببًا لذكره بخير الذكر.
أما والدة داليا وأشقاؤها الخمسة فلم يدركوا لحظة أن إرث الأب وحروفه التي كانوا يتعجبون حينما كرس والدهم وقتًا من حياته لكتابتها على الأوراق، وكان يتمني أن تكون ونيسًا له بعد مماته أصبحت بعد 23 عاما صدقة جارية على روحه وعملًا صالحًا ينفعه في قبره، وكأنما مُنح يقينًا أن ما فعل سيُقدر بعد حين، وأن سيرته العطرة ستصل إلى الآلاف المترحمين على روحه المنتقلة إلى رحمة ربها منذ سنين.
المصدر : بوابة فيتو