ایکنا

IQNA

مدغشقر: مخاوف من سيطرة المتطرّفين على المدارس القرآنية

15:25 - February 25, 2018
رمز الخبر: 3468022
أنتاناناريفو ـ إکنا: لا يخفي المسلمون المعتدلون والفاعلون الاقتصاديون في جزيرة "مدغشقر" ذات الأغلبية المسيحية، منذ القرن التاسع عشر، قلقهم من انتشار الفكر المتطرف، ويعبرون عن فزعهم ورعبهم من انتقال الفكر السلفي إلى بلادهم بعد أن بات له مؤيدون في جزر القمر المجاورة.

مدغشقر: مخاوف من سيطرة المتطرّفين على المدارس القرآنية

وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة (إکنا)؛ تبدو "فوهيبينو" فقيرة من الوهلة الأولى، ولكنها قرية ريفية ساحرة، ما أن تدخلها حتى يغمرك عبق القرنفل، ذلك أن مسامير القرنفل هي أهم ما ينتجه هذا الساحل الجنوبي الشرقي لمدغشقر. اكتشفنا القرية في طريقنا إلى جنوب ماناكارا، نحو فور دوفين على الطريق الوطني رقم 12، الذي لم تتغير لافتاته الحمراء والبيضاء منذ عهد الاستعمار الفرنسي.


وعلى طول الطريق تصطف مجموعات من أشجار النخيل، وتنتشر بيوت مبنية كلها من الخشب، ولكنها غير موصلة بالكهرباء، وفجأة حين نتجه إلى شاطئ البحر تبرز أمامنا مئذنة مسجد متهالك، بنيت إلى جانبه بناية جديدة، ويقف أمامنا رجل يرتدي دشداشة سوداء، ولكنه ما أن رآنا حتى اختفى.

 

وتقع إلى جانب مسجد فاتوماسينا «وتعني الحجر المقدس» الذي بناه القذافي، في 1990، مدرسة النجاح الإسلامية. إنها بناية نظيفة، تطل على ميدان لكرة القدم تابع للبلدية، تحيط به مجموعة محال آيلة للسقوط، وحيث يركض أطفال يرتدون ملابس بالية بين القمامات، وراء كرة نصف مفرغة من الهواء.


ولكن عدد أطفال فوهيبينو الذين يلعبون عصر هذا الثلاثاء قليل جداً، إن الجميع وعددهم 45 طفلاً، تتراوح أعمارهم ما بين 7 و14، يرتدون جميعهم جلابة وطاقية على الرأس، يجلسون على الأرض في القاعة الكبرى التي تقع في الطابق الأرضي لهذه المدرسة، ويرددون آيات قرآنية بصوت مرتفع.


ويتم هنا تحفيظ القرآن باللغتين العربية والأوردو، وهما لغتان لا يفهمها الأطفال الذين يقيمون في المدرسة بطلب من عائلاتهم الفقيرة، التي لا تستطيع استيفاء احتياجاتهم، والبعض منهم جاء من الشارع، حيث كان يواظب على التسول، ويقول "نديم دوليب" الذي ينحدر من جزر موريشيوس ويدير هذه المدرسة «حتى يصبح الفتى مسلماً، الأمر سهل للغاية، يكفي أن يستحم وينطق بالشهادتين».


ونديم داعية إسلامي فهو ليس من هنا، لكنه تعلم اللغة الملغاشية وعن ذلك يقول «الأمور بسيطة جداً بالنسبة لي، أنا خادم للحقيقة، إنها حياتي، ولا يوجد سوى الحقائق في القرآن». تبرق عينا نديم حتى تبدوان وكأنهما تحملان شعلة، فقد غادر هذا الفتى بلاده جزر موريشيوس في اتجاه فرنسا، حيث نال شهادة ليسانس في الفيزياء وارتبط بقبائلية، انجب منها طفلتين، لكن الزواج انهار بقراره مغادرة فرنسا. لكن لماذا اختار هذا المكان النائي للاستقرار، ولماذا ترك طفلتيه؟


وتبدو حالة نديم غريبة وتشكل لغزاً، لكن الرجل لم يحتفظ بأي ذكرى جيدة عن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة الذي تقوم عليه الجمهورية الفرنسية. بالنسبة له تعدد النساء مكملا للرجل ولكنهن لا يتساوين معه.


ومدير المدرسة الشاب هذا لم يتفهم لحد الآن الأسباب التي دفعت السلطات السعودية مؤخراً لمنح المرأة السعودية حق قيادة السيارة، حيث يقول «بالطبع النساء قادرات تقنياً على قيادة السيارة، لكن الحرية التي منحت لهن هي ما يسبب مشكلة، ذلك ان النساء لا يدركن كيف يدرن حريتهن».


مضامين فارغة


حين انتقلنا إلى نواحي أخرى من فوهيبينو، شاهدنا سيارة رباعية الدفع جديدة، أهدتها منظمة يونيسيف للمدير الاقليمي للتربية الوطنية. كان هذا الرجل البدين والبشوش ويدعى هنريليس راكوتوناريفو، في جولة تفتيشية، ومهمته تكمن في مراقبة المضامين التي تدرّسها المدارس القرآنية التي انتشرت بشكل كبير في المنطقة خلال السنوات الاثني عشرة الماضية.

 

وقد تم طرد سلفه أونيسي راتسيتوفاهانا، العام الماضي، بعد ان برمج من دون إذن الوزارة، رحلة إلى السعودية للبحث عن مصادر تمويل للمدارس القرآنية. هذا الحادث انتهى بإنذار الوزير في العاصمة تاناناريف، الذي قام بعد تحقيق الى اغلاق 14 مدرسة قرآنية في الجزيرة بسبب أن برامجها التعليمية فارغة.


ويقول المدير الإقليمي للتربية الوطنية السيد هنريليس إن بعض الدعاة يستغلون فقر السكان لكسب مؤيدين ويضيف «يتجه الأهالي الى هذه المدارس لأنها مجانية وليس بسبب المستوى الدراسي، كما ان هذه المدارس لا تشترط شيئا سوى اعتناق الاسلام وارتداء الفتيات للحجاب».


رقابة أميركية


في مايو 2017 زار وفد أميركي قرية فوهيبينو لمراقبة صلاحية المنشآت التعليمية التي تدعمها منظمة يونيسيف، ولا نعرف إن كان بينهم مخبرون تابعون للسي آي إيه، لكن المؤكد هو ان الوفد زار القرية برفقة طائرات من دون طيار وحينها عنونت اكبر صحف مدغشقر وتدعى ليكسبرس صدر صفحتها الاولى بـ«المدارس القرآنية تحت رقابة اميركية».


ورئيس بلدية فوهيبينو شاب مسلم وهذا ليس مفاجئاً، لأن المدينة هي مستقر أقدم جالية مسلمة في المنطقة، وينحدرون جميعهم من زنجبار، ولكن المهم في الرجل هو مساره. لقد ولد لعائلة كاثوليكية مزارعة وفقيرة جداً. كان تلميذاً نجيباً في المدرسة، وقد عانت عائلته في دفع تكاليف دراسته حتى الباكالوريا، ولكنه اعتنق في ما بعد الإسلام، وذهب للدراسة إلى المملكة العربية السعودية التي أصبحت الوجهة الثانية للطلبة الملغاشيين بعد فرنسا.

 

ويقول إمام مسجد مانكارا إن انتشار الفكر المتطرف في مدغشقر مخيف للغاية، «هذا الفكر بعيد جداً عن الإسلام التقليدي الملغاشي الذي يعود إلى القرن الثالث عشر ميلادي، حيث يمثل المسلمون %6 من السكان». هذا الإمام اتهمه مسجد جديد منافس بأنه مسلم سيئ،لأنه وزع خلال حفل خيري الأكل على المسلمين والمسيحيين من دون تمييز، وعن ذلك يقول «إنهم التكفيريون، الذين يحكمون بالردة على كل من لا يفكرون مثلهم، إنهم متأثرون جميعهم بدعاة قدموا من باكستان، بنوا مدارس ومساجد في كل مكان ومن دون إذن الحكومة».


موقع استراتيجي


حين انتقلنا إلى هذا المسجد المثير للجدل، كان وقت صلاة الظهر وكان معظم المصلين من الهنود والباكستانيين الذين وصلوا حديثاً إلى الجزيرة عبر الخطوط الجوية التركية. لحاهم طويلة جداً، ولا يتحدثون إلا الأوردو والقليل من الإنكليزية، ويقولون إنهم ينتمون إلى جماعة التبليغ، وهي حركة تدعو إلى الإسلام عن طريق السفر والسير على الإقدام والوعظ سلمياً.


ولا يخفي رجال الأعمال الذي يستثمرون في القطاع السياسي في مدغشقر مخاوفهم من انتشار الفكر المتطرف في الجزيرة عبر المدارس القرآنية والمساجد غير المراقبة، التي انتشرت على طول الساحل الجنوبي الشرقي والشمالي الغربي بين دييغو سواريز وماهاجانغا. وينتقد هؤلاء المستثمرون الذين فضلوا عدم الإفصاح عن أسمائهم تساهل ولا وعي الإدارة والرئيس الحالي هيريراجاو وناريما مبانينا، ويقول مالك فندق في ماناكاما «بسبب الفساد، يتركون أياً كان يدخل إلى البلاد، ولكن سيكون الوقت قد فات، حين يكتشفون معسكر تدريب في أحد الجبال».


وتبلغ مساحة مدغشقر مجموع مساحتي فرنسا وبلجيكا، ولكن عدد سكانها لا يتجاوز 23 مليون نسمة. ووفق الإحصائيات، فإن %15 من المنازل تستفيد من خدمة توصيل الكهرباء، كما تعد الجزيرة حلماً بالنسبة للإسلاميين المتطرفين، لثلاثة أسباب: الفقر المدقع الذي يعيش فيه السكان، وضعف الدولة المستمر، وموقعها الاستراتيجي بين أفريقيا وشبه القارة الهندية. والأميركيون لم يخطئوا حين شيدوا سفارتهم الحديثة جداً والمزودة برادرات بالقرب من مطار إيفاتو الدولي، ليتمكنوا بذلك وبكل سرية من فرض رقابتهم على الجزيرة كلها.

 

المصدر: جريدة القبس الإلکترونية

captcha